الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. التوسل في اللغة: مأخوذ من الوسيلة، والوسيلة والوصيلة والتوسل والتوصل معناهما متقارب، لأن السين والصاد دائمًا يتناوبان، يعني أحدهما يستعير المكان من الآخر، ولهذا يقرأ قوله تعالى: فالتوسل والتوصل معناهما متقارب جدًا. والوسيلة هي السبب الموصل إلى المقصود. وهو على نوعين: النوع الأول: عبادة يراد بها التوصل إلى رضوان الله والجنة، ولهذا نقول: جميع العبادات وسيلة إلى النجاة من النار ودخول الجنة. قال الله تعالى: أما النوع الثاني من الوسيلة: فهو ما يتخذ وسيلة لإجابة الدعاء وهو أقسام: القسم الأول: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه سواء كان بالأسماء على سبيل العموم أو باسم معين منها. فمثال الأول التوسل بالأسماء على سبيل العموم ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي). والشاهد من الحديث قوله: (بكل اسم هو لك). ونقول: نحن اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى، ودليل هذا القسم قوله تعالى: أما الثاني وهو التوسل باسم خاص فمثل أن تقول: (يا غفور اغفر لي يا رحيم ارحمني، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني). وهذا توسل باسم لكنه خاص. وفي هذا النوع يجب أن يكون الاسم مناسبًا للدعاء، فإذا أردت أن تسأل الله الرزق تقول: يا رزاق، والمغفرة يا غفور، والعفو يا عفو، وهكذا. لكن لو قلت: اللهم يا شديد العقاب اعف عني فهذا غير مناسب، فكيف تتوسل باسم يدل على العقوبة إلى عفو الله عز وجل، إنما تدعو الله تعالى بالأسماء المناسبة لما تدعو به. القسم الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته سواء كان ذلك على سبيل العموم أو بصفة خاصة، ومن الصفات الأفعال، فإن الأفعال صفات، مثال ذلك أن تقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وهذا التوسل صحيح، والتوسل بالصفات يكون كذلك عامًا، ويكون خاصًا، فمثال العام ما ذكرته آنفًا، ومثال الخاص: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) فهنا توسل بصفة من صفات الله عز وجل. ومن التوسل بالأفعال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم). فأنت تسأل الذي منَّ بصلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أن يمن بصلاته على محمد وعلى آل محمد، فالكاف في قولك: (كما صليت) ليست للتشبيه ولكنها للتعليل، والكاف تأتي للتعليل كما قال ابن مالك في الألفية: شبه بكاف وبها التعليل قد *** يعنى وزائدًا لتوكيد ورد والشاهد من البيت قوله: وبها التعليل قد يعنى يعني قد يراد بها التعليل. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم يعني لأنك صليت على إبراهيم، فمنتك على عبدك وخليلك إبراهيم وآله، نتوسل بها إليك، أن تصلي على خليلك محمد وآله. ومثال ذلك في القرآن على أن الكاف للتعليل قوله تعالى: وإذا قلنا: إن الكاف للتعليل في قوله: (كما صليت) سلمنا من شبهة مشهورة عند العلماء وهذه الشبهة يقولون: إذا قلنا الكاف للتشبيه حصل إشكال، لأن معنى ذلك: أننا نطلب أن الله يصلي على محمد صلى الله عليه وسلم، وآله، صلاة دون صلاة إبراهيم وآله، بناء على أن المشبه أقل من المشبه به، فإذا قلت: فلان كالبحر في كرمه، فمقتضى ذلك أنه دون البحر، فإذا جعلنا الكاف في قوله: (كما صليت) للتشبيه معناه أننا نطلب من الله صلاة تكون في الواقع دون الصلاة على إبراهيم وآله. فإذا قلنا: إن الكاف للتعليل فالمعنى أنك تسأل الله الذي من بصلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أن يمن بصلاته على محمد وعلى آل محمد وبذلك يزول الإشكال نهائيًا. ولا حاجة إلى ما ذكره بعض الناس وتكلف فيه من أهل العلم. ومعنى اللهم صل على محمد، صلاة الله على النبي صلى الله عليه وسلم معناها، اللهم أثن عليه في الملأ الأعلى، واذكره بالجميل. وليست صلاة الله على عبده بمعنى رحمته، وإن كان بعض العلماء قال: إن الصلاة من الله الرحمة لكنه قول مرجوح بالآية التي قال الله فيها: القسم الثالث: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به، أي أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله فيقول: اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا. فيصح هذا، ودليله قوله تعالى: فالتوسل بالإيمان بالله، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، والتوسل بمحبة الله، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم جائز، لأن الإيمان بالله سبب موصل للمغفرة، ومحبة الله ورسوله سبب موصل للمغفرة فصح أن يتوسل إلى الله تعالى به. القسم الرابع: التوسل إلى الله تعالى بحال الداعي أي أن يتوسل الداعي إلى الله بحاله ولا يذكر شيئًا مثل أن يقول: اللهم إني أنا الفقير إليك، اللهم إني أنا الأسير بين يديك وما أشبه ذلك، والدليل على ذلك قول موسى عليه الصلاة والسلام حين سقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل فقال: ووجه هذه الآية أن حال الداعي إذا وصفها الإنسان فإنها تقتضي الرحمة واللطف والإحسان لا سيما إذا كانت بين يدي أرحم الراحمين جل وعلا. أرأيت لو أن رجلًا مشى معك وقال: أنا فقير أبو عائلة لا أستطيع التكسب غريب الدار، فيسأل ويتوسل إليك بحاله، فأنت إذًا تعرف الأمر وتعطيه إذا كنت كريمًا. والقسم الخامس: التوسل بدعاء من ترجى إجابة دعائه، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يخطب الناس يوم الجمعة فدخل رجل فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم، يديه ثم قال: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) ـ ثلاث مرات ـ. قال أنس بن مالك: والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ـ والقزعة هي القطعة الصغيرة من الغيم ـ، وما بيننا وما بين سلع من بيت ولا دار ـ وسلع جبل بالمدينة تأتي من نحوه السحب ـ قال: فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم، من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته. وفي هذا آيتان: آية من آيات الله، وآية من آيات رسوله صلى الله عليه وسلم، أما من آيات الله فالقدرة العظيمة بهذه السرعة نشأ السحاب ورعد وبرق وأمطر، فما أن نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، والمعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان لا يطيل الخطبة، وهذا أتى في أثناء الخطبة. وأما كونه آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله أجاب دعاءه بهذه السرعة، وآيات النبي، صلى الله عليه وسلم، في جلب الماء من السماء أو من الأرض معلومة، فبقي المطر ينزل أسبوعًا كاملًا حتى سال الوادي المعروف بالمدينة باسم قناة، سال شهرًا كاملًا، فجاء الرجل أو رجل آخر من الجمعة الثانية والنبي، صلى الله عليه وسلم، يخطب فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها فرفع النبي، صلى الله عليه وسلم، يديه وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا) وجعل يشير بيده فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت، ليس بقدرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولكن بقدرة الله عز وجل، (اللهم حوالينا ولا علينا) فجعل السحاب يتفرق، يمطر حول المدينة، ولا يمطر في المدينة فخرجوا من الصلاة وهم يمشون في الشمس. فالرجل قال: ادع الله يمسكها والنبي صلى الله عليه وسلم، لم يسأل الله أن يمسكها لأن إمساكها ليس من المصلحة، لكنه دعا بدعاء تحصل به المصلحة وتزول المفسدة، قال: (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر)، وفي هاتين القصتين كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يرفع يديه وهو يخطب. وفي الأول عندما سأل الله الغيث رفع الصحابة أيديهم معه وهم يستمعون الخطبة، فيستفاد من هذا أن الخطيب إذا دعا بالغيث أو دعا بالصحو أنه يرفع يديه وأن الناس يرفعون أيديهم معه إذا دعا بالغيث، وفيما عدا ذلك إذا دعا الخطيب في خطبة الجمعة لا يرفع يديه ولا يرفع الناس، لأن الصحابة رضي الله عنهم أنكروا على بشر بن مروان حين خطب ودعا في الخطبة ورفع يديه، فرفع اليدين في الدعاء في حال الخطبة ليس من هدي الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلا إذا دعا باستسقاء أو استصحاء. "ذلك كانوا في غزوة الحديبية. ونفد الماء الذي معهم فجاء الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله نفد الماء، وكان بين يديه ركوة ـ إناء من جلد ـ فوضع يديه في الماء فجعل الماء يفور أمثال العيون حتى استفى الناس ورووا. والله على كل شيء قدير. وهذه الآية تأييد للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تكون الآية التي يرسلها الله عز وجل تكذيبًا لمن أرسلت إليه: يقال: إن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة، فجاء إليه قوم فدعوه بالوصف الكاذب، وهو يا رسول الله وهو من أكذب عباد الله، قالوا إن بئرًا لنا نزحت وليس فيها إلا ماء قليل تأتي إليها لعل الله يأتي فيها البركة، فجاء إلى البئر وأخذ ماء بفمه ومجه فيها ينتظر أن يخرج الماء إلى أعلى، ولكن الماء الذي فيها غار بالكلية، فالماء الذي كان موجودًا ذهب، فهذه آية من آيات الله، ولكنها آية لتكذيب هذا الرجل وليست لتأييده وتصديقه. ولكن ينبغي أن تلاحظ أنك إذا طلبت من شخص أن يدعو لك وهو ممن ترجى إجابته أن يكون غرضك بذلك مصلحته هو لا مصلحتك أنت. فإذا سألت إنسانًا مرجو الإجابة بالدعاء أن تقصد بطلبك منه أن يدعو لك لمصلحته هو لا مصلحتك أنت فكيف يكون مصلحته؟ لأن الإنسان إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قال له الملك: آمين ولك مثله، فإذا دعا لك أخوك الذي طلبت منه أن يدعو لك بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله. أما إذا طلبت منه أن يدعو لك وأنت لا تريد إلا مصلحتك فقط، فإن هذا يخشى أن يكون من المسألة المذمومة، لأن من جملة ما بايع النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه عليه أن لا يسألوا الناس شيئًا. وهذه مسألة ينبغي أن يتنبه لها حتى لا نقع في ذل المسألة. القسم السادس: التوسل إلى الله بالعمل الصالح. وهو أن يذكر الإنسان بين يدي دعائه عملًا صالحًا يكون سببًا في حصول المطلوب، ومثاله قصة الثلاثة الذين حدث عنهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، ثلاثة من بني إسرائيل آواهم المبيت إلى غار، فدخلوا الغار فأراد الله عز وجل بحكمته أن تنطبق عليهم صخرة ابتلاء وامتحانًا وعبرة لعباده انطبقت عليهم الصخرة فأرادوا أن يدفعوها فعجزوا فقال بعضهم لبعض: إنه لا يخرجكم من ذلك إلا أن تتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالكم، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلًا ولا مالًا، فأتي بي طلب الشجر يومًا فرحت عليهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق أحدًا قبلهما، فبقي الإناء على يدي حتى برق الفجر، ثم استيقظا فسقيتهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فاصرف عنا ما نحن فيه، أو فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة قليلًا لكنهم لا يستطيعون الخروج. أما الثاني: (فذكر أن له ابنة عم وكان يحبها حبًا شديدًا فأرادها على نفسها فأبت، ثم إنه في سنة من السنوات ألمت بها الحاجة فجاءت إليه تطلب دفع حاجتها فأعادها إلا أن تمكنه من نفسها ـ هي للضرورة مكنته من نفسها ـ فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت له: يا هذا اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه ـ فهذه كلمة عظيمة مؤثرة ـ قال: فقمت عنها وهي أحب الناس إلي ـ يعني ما تركتها رغبة لأني لا أريدها لكنه تركها خوفًا من الله عز وجل حين ذكر به ـ وأعطاها حاجتها) فجمع هذا الرجل بين كمال العفة والصلة، قال: (اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة إلا أنهم لا يستطيعون الخروج). أما الثالث: فذكر أن له أجراء ـ يعني أناسًا استأجرهم ـ وأعطى كل واحد منهم أجره، إلا واحدًا لم يعطه أجره، فنماه له، وصار فيه إبل وغنم وبقر ورقيق حتى جاء العامل يطلب أجره فقال له: كل ما ترى من الإبل والغنم والرقيق كله لك، فقال له الأجير: اتق الله، لا تستهزئ بي، فقال: لا أستهزئ بك هذه أجرتك، فأخذها الأجير وذهب بها كلها فهذه المعاملة والوفاء التام من هذا الرجل، لأنه من الممكن أنه إذا جاء يطلب أجره أن يعطيه أجره وينتهي، لكن لأمانته ووفائه أعطاه كل ما نماه أجره، قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون. فلو قال قائل: اللهم إني أسألك ببر والدي أن توفقني لبر أولادي بي، فهذا توسل صحيح، وهو توسل بالعمل الصالح. أما القسم الذي لا يجوز أن تتوسل إلى الله تعالى به فهو ما ليس بوسيلة في الواقع مثل أن تتوسل بالنبي، صلى الله عليه وسلم، بذاته، أو أن تتوسل بجاه النبي، صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك لا ينفعك أنت، فجاه الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومنزلته عند الله ينتفع بها الرسول، صلى الله عليه وسلم، نفسه. أما أنت فليس لك فيها منفعة وكذلك ذاته من باب أولى. ويدل على أن التوسل بالنبي، صلى الله عليه وسلم، الآن ليس بصحيح أن الصحابة قحطوا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخرج يستسقي بهم فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ـ والصحابة يتوسلون بنبيهم بدعائه ـ وإنا نستشفع إليك بعم نبينا فاسقنا فيقوم العباس بن عبد المطلب ويدعو الله تعالى بالسقيا فيسقون. وهذا دليل على معنى التوسل بالنبي، صلى الله عليه وسلم، الوارد عن الصحابة أن معناه أنهم يتوسلون بدعائه لا بذاته. أما توسل المشركين بأصنامهم وأوثانهم وتوسل الجاهلين بأوليائهم فهو توسل شركي، لا نقول: توسل بدعي بل هو توسل شركي، ولا يصح أن نسميه توسلًا بل هو شرك محض. لأن هؤلاء المتوسلين يدعون من يزعمون أنهم وسيلة، يأتي الرجل إلى من يزعمه وليًا ويقول: يا ولي الله أنقذني ـ بهذا اللفظ ـ يا آل البيت أنقذوني، يا نبي الله أنقذني، فهذا لا يصح أن نسميه وسيلة ولكن نسميه شركًا، لأن دعاء غير الله شرك في الدين وسفه في العقل، شرك في الدين لأنهم اتخذوا شريكًا مع الله، وسفه في العقل لأن الله يقول: ويوم القيامة لا ينفعونهم فلا يصح أن نقول: إنها وسيلة بل هو شرك أكبر مخرج عن الدين: فإن قال قائل: إن هؤلاء ربما يدعون هذه الأصنام أو هؤلاء الأولياء ويحصل مطلوبهم، ثم يأتون ويقولون: دعونا الولي الفلاني فأجاب، دعونا هذا الصنم فأجاب، فما موقفنا من ذلك؟ فالجواب: موقفنا من ذلك أن الله تعالى قد يحدث هذا الشيء عند الدعاء لا بالدعاء امتحانًا للداعي فقد يأتي الإنسان ويدعو هذا الولي صاحب القبر بدعاء ثم يحدث له ما دعا به امتحانًا من الله عز وجل، لا لأن هذا الولي هو الذي أعطاه إياه، لأننا نعلم علم اليقين أن هذا الولي لن ينفعه ولن يستجيب له، لكن قد يبتلى والابتلاء بتسهيل المعصية وارد في الأمم السابقة، وفي هذه الأمة، ففي الأمم السابقة قال الله تعالى: فهذه حيلة فيقولون: نحن ما نصطاد يوم السبت، فالشبك نصبناه يوم الجمعة والحيتان جاءت يوم السبت، ونحن أخذنا الحيتان يوم الأحد، ولقد عاقبهم الله على ذلك فقال: وفي هذه الأمة ابتلى الله عز وجل أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، ببلوى، إذا أحرم الإنسان بحج أو عمرة حرم عليه الصيد: وبهذا نعرف الفرق بين صلاحية هذه الأمة وبين بني إسرائيل على أنه وجد من خلف هذه الأمة من شابه اليهود في التحيل على محارم الله، فهناك من يتحيلون على الربا، وهناك من يتحيلون على النكاح، وهناك من يتحيلون على ظلم إخوانهم بأنواع الحيل، وكل من تحيل من هذه الأمة إلى الشيء المحرم بحيلة فهو مشابه لأسخف عباد الله، وهم اليهود. وهناك أناس الآن يقولون: إذا أعطيت الإنسان عشرة آلاف ريال نقدًا بأحد عشر ألف ريال إلى أجل فهذا حرام، قال: إذًا نحلل هذا الحرام، فأبيع عليه أكياسًا من الهيل بإحد عشر ألفًا وهي لا تساوي الآن إلا عشرة إلى سنة ثم يشتريها هذا المدين ويبيعها على صاحب الدكان، برغم أن صاحب الدكان لا يشتريها منك بمثل ما اشتريتها أنت، فيبيعها لصاحب الدكان بتسعة آلاف وخمسمائة فقط فيكون هذا المدين من الجانبين، فيكوى من جهة الذي باع عليه، ومن جهة صاحب الدكان، ثم يأخذ المدين الدراهم ويخرج بها وهذا لا يعد بيعًا، لأن الذي اشتراه هو الدائن، ما يقلبه ولا ينظر ما فيه. وأظن أن صاحب الدكان لو أتى بأكياس من القش ولفها وقال: هذا الذي فيها هيل،ـ أو أتى بأكياس من الرمل، وقال: إن الذي فيها سكر وباعها على الدائن، وباعها الدائن على المدين، لأنه ما نظر فيها الدائن ولا يقلبها، والمدين كذلك لا يقلبها ولا ينظر فيها فترجع إلى صاحب الدكان، فهذا لا يعد بيعًا صحيحًا. ولكن هذا العمل جامع بين مفسدتين مفسدة الربا ومفسدة الخداع لله عز وجل وللمؤمنين فهذه الحيلة والعياذ بالله يسميها بعض العلماء الحيلة الربوية الثلاثية، وفيها مفاسد عظيمة. وأما بيع السيارات ممن كانت عنده لشخص يريد السيارة نفسها بثمن مؤجل لكنه أكثر من الثمن الحاضر فهذا لا بأس به وهو جائز بالإجماع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، مثال ذلك أنا أحتاج إلى سيارة وأتيت إلى شخص صاحب معرض يبيع السيارات على عشرين ألفًا، فقلت له: أنا ليس عندي دراهم الآن بع علي سيارة بخمسة وعشرين ألفًا كل شهر خمسمائة ريال، وقال صاحب الدكان: لا بأس، فهذا جائز حتى لو خيره صاحب المعرض، وقال: هذه السيارة إما بعشرين نقدًا، وإما بخمسة وعشرين مؤجلة، فقال: آخذها بخمسة وعشرين مؤجلة، فإن هذا ليس به بأس، وليس هذا بيع دراهم بدراهم، لأن الذي اشترى السيارة لم تثبت عليه الدراهم مرتين، فالأصل وقع على سلعة بدراهم، وليس دراهم بدراهم. بهذا انتهى ما أردنا الكلام عليه حول التوسل والحمد لله رب العالمين.
|